السبت، 30 ديسمبر 2006

خواطر متألم، وليس متأملاً!


يا ترى.. كم من الحكام والمسؤولين في العالم يستحق أن يعدم، بنفس القانون الذي أعدم صدام؟ كم من المذابح وقعت ودفنتها صفحات التاريخ؟ كم من الضحايا ماتوا تحت أقدام الطغاة، ولم يجدوا قانوناً ينصفهم، حتى لو كان جائراً، كذلك الذي كسر أنف الرئيس العراقي السابق، ثم كسر رقبته صبيحة يوم العيد؟


ماذا لو فوّض العالم تلك المحكمة الهزلية للفصل في كل المجازر التي عانت منها الشعوب الأخري؟ من سيتبقى عندئذ من الحكام؟ لا أحد.. ما من يد قابضة على السلطة إلا وتلوثها دماء الأبرياء.. فالذبح صار مرادفاً للحكم.. ومن سوء حظ المتسلقين على العروش، أن قانون محاسبة الرؤساء ـ الذي سنته الولايات المتحدة ـ هو قانون أعمى.. يعاقب من يفتري على الشعوب بصوت عال، لأن ذلك القانون يسمع ولا يرى.. فإذا كنت حاكماً ذكياً.. اذبح واقتل من شئت.. ولكن بلا ضوضاء..


وإذا كان صدام حسين قد عوقب بالإعدام على قتل مائة وثمانية وأربعين عراقياً، فما هو عقاب بوش على قتل ثلاثة آلاف من أفراد شعبه؟ كم مرة ينبغي أن يعدم؟ عشرون مرة؟ وماذا عن جرائمه في أفغانستان؟ ماذا عن إغماض جفنه عن المجازر الإسرائيلية في فلسطين ولبنان؟ وكم من المذابح يعلم عنها في العالم العربي، لكنه لا يكترث بضحاياها، لأن مرتكبيها من حلفائه المخلصين؟؟


لقد تعلم الرئيس الأمريكي الكثير عن الإسلام خلال "حربه على الإرهاب".. عرف أن للمسلمين عيد للأضاحي، يذبحون فيه الأكباش والأغنام.. فقدم لهم رأس صدام أضحية لهذا العيد، وقد تدلي منها لسانه الطويل على حبل المشنقة، لأن ذلك اللسان طالما سب إسرائيل والولايات المتحدة.. بل ومن حسن حظ بوش أن ليلة العيد اقتربت من أول أيام العام الجديد.. فكانت رأس صدام هي هدية رأس السنة للأمريكيين أيضاً.. في نفس الوقت الذي تجاوز فيه عدد قتلاهم في العراق عدد من قتل منهم في هجمات سبتمبر.. ليس من حقهم التذمر.. فقد قبضوا ثمن السكوت، وهو القضاء على الرجل الذي هدد أمن العالم.. وقيل أنه قد يدمر الأرض بأسلحته النووية، والذي قتل مائة وثمانية وأربعين من أفراد شعبه بدم بارد.. ولا يهم إذا كان من أقرباء هؤلاء من مات أيضاً بلا جريرة في تلك الحرب المزعومة على الإرهاب..


يا ترى؟ كيف سأشعر لو كان مبارك هو الذي شنق بدلاً من صدام؟ وكيف ستكون مشاعري لو حوكم في ظل احتلال لبلادي؟ هل ستقنعني شعاراته القومية في قفص الاتهام أو على حبل المشنقة، حتى لو أمضى حياته في سلب خيرات شعبي وانتهاك حقوقه؟ وما هو الأفضل، لو كان الاختيار بين شنق زعيم عربي ظالم على يد الاحتلال، أو التعايش معه في بلد حر؟ هل مصير أمتنا المحتوم، هو إما احتلال من الخارج، أو اغتصاب للسلطة من الداخل؟ هل ولد طغاة الأمة جميعاً من رحم واحد، يتقاسمون قلباً من الحجر وأذناً من الصوان؟ لا هم لهم سوى امتصاص خيرات الشعوب أو أن يتركوا بلدانهم خراباً مباحاً للمحتل...


لم يشنق صدام وحده.. لقد شنق معه كل ما هو غير أمريكي في هذا العالم.. أمريكا لفت حبل المشنقة حول رقبته، مثلما غطت وجه تمثاله بالعلم الأمريكي يوم سقوط بغداد.. والرسالة للجميع في هذا العالم.. أمريكا هي التي تحكم.. وعليها أن تختار من يعيش ومن يموت.. هي الإله ولا حول ولا قوة إلا بها.. صدام ذهب، وذهبت معه الكرامة.. ليس لأنه كان رمزاً لها.. ولكن لأننا لم نعد نستحقها...

تنفيذ الحكم!

اليوم ليس كأي يوم، فهو موعد تنفيذ حكم الإعدام بحق صدام حسين، وقد تناولت عشاءاً خفيفاً كنت قد أعددته لنفسي في المنزل، ثم صعدت إلى مسجد بي بي سي في بوش هاوس، وصليت ركعتين لله آملاً أن يمنع تنفيذ الحكم، وقرأت بعضاً من القرآن متأملاً في معناه، ثم بدأت نوبة العمل بحديث ودي مع زميلة لي، كانت حزينة لانتقالها إلى فريق آخر لم تكن تميل إليه.. بعدها استلمت منها نشرة الأخبار...


بعد ساعة، أي في الثالثة قبل الفجر، أعلن عن إعدام صدام حسين، وكان الفريق المسؤول يعمل بقيادة الزميل أحمد مجاهد، وما هي إلا لحظات حتى تحولت غرفة الأخبار إلى خلية نحل، رولا الأيوبي وإيمان القصير يتبادلان تقديم الساعات الإخبارية، وصديق أبو الحسن ومحمد خالد وسهيل العرنكي يتولون الإخراج.. وتوالت ردود الأفعال من داخل وخارج العراق، وقد جعلت نشرة الأخبار شاملة لكل تلك المستجدات أولاً بأول... لكنني ـ بعكس بعض الزملاء ـ لم أكن سعيداً على الإطلاق...

الخميس، 28 ديسمبر 2006

صديقي السابق..

صديقي السابق..
ها أنذا أستقل القطار عائداً إلى غرفتي في الجامعة، فيما أعاود التفكير في حديثنا الهاتفي الذي دار قبل دقائق.. كان هذا هو صوتك الذي حدثني.. كانت تلك هي عباراتك التي صككتها خلال أوقات لا تنسى من تاريخ علاقتنا.. الطويل!
لكن.. لم تكن أنت... كان ذلك شخصاً آخر، لا يختلف قط عمن عرفته.. بل يناقضه...
صديقي الذي عرفت، كان نبيلاً، وفياً، منصفاً.. كان يحسب خطواته بميزان الأخلاق والقيم، كان رقيق الحس.. رحيم القلب.. صديقي هذا مات... وحل محله شخص يختفي وراء قناع مزيف، يظهر ما لا يبطن...