الاثنين، 28 سبتمبر 2009

عندما ذهبت إلى" إسرائيل"...


ذهبت إلى «إسرائيل»..

قابلت إيهود باراك فى الكنيست، والرقيب العسكرى الإسرائيلى فى «بيت آجرون»، وقائد الشرطة الإسرائيلية فى الخليل.. ظهرت على شاشة التليفزيون وجهاً لوجه أمام هؤلاء، ولم تفصلنى نقابة الصحفيين فى مصر.. بل وضعتنى السفارات الإسرائيلية فى كل أنحاء العالم على قائمتها السوداء.

كان ذلك عام ألفين.. قضيت فى القدس والضفة الغربية وتل أبيب سبعة عشر يوماً، وفور عودتى إلى القاهرة، اتصل بى أحد أعضاء مجلس النقابة، وأبلغنى بأن المجلس سيضطر آسفاً لإحالتى إلى التحقيق فى مخالفتى قرار النقابة بعدم «التطبيع» مع «إسرائيل».. ولم يكن ذلك العضو يعلم وقتها لماذا ذهبت إلى هناك، أو ماذا فعلت بالتحديد.

والحقيقة أننى كنت أقدم فى ذلك الوقت برنامج (مقص الرقيب) على قناة أبوظبى، وقررت أن أعد إحدى حلقاته من الأراضى المحتلة حول رقابة الاحتلال الإسرائيلى على الصحفيين الفلسطينيين والمراسلين الأجانب.. استأذنت صفوت الشريف وزير الإعلام آنذاك، وفهمى فايد السفير المصرى فى أبوظبى، وإبراهيم نافع رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام، التى كنت مجازاً منها للعمل فى التليفزيون.. فوافق الجميع.

كان أحد زملائى- وكان صحفياً مبتدئاً فى مجلة الشباب بالأهرام- قد ذهب للسفارة الإسرائيلية فى القاهرة قبل ذلك بعامين، آملاً فى إحراز سبق صحفى بمقابلة السفير.. وما إن خرج من مقر السفارة، حتى «اصطادته» مباحث أمن الدولة وحققت معه لبضعة أيام.. وهو ما دفعنى لتجنب استصدار التأشيرة الإسرائيلية من مصر أصلاً، فطلبت من مراسلتنا فى العاصمة الأردنية مساعدتى فى استصدارها من السفارة الإسرائيلية هناك على ورقة منفصلة عن جواز سفرى، ومن ثم لا أتعرض لمضايقات فى مطار القاهرة عندما أعود إليه بعد الزيارة.

فى القدس، كانت محطتى الأولى فى بيت الصحافة الحكومى الإسرائيلى، أو ما يسمى «بيت آجرون»، حيث استقبلنى رئيس القسم العربى فواز كمال.. وأجاب ممتعضاً عن أسئلتى حول دوره فى منع الصحفيين العرب والفلسطينيين من ممارسة عملهم بحرية، لكنه أطلعنى بفخر على قائمة الصحفيين المصريين ممن أسماهم بـ(أصدقاء إسرائيل).. وكان من بينهم الدكتور عبدالمنعم سعيد، الذى زعم أنه شهد احتفالات إسرائيل بمرور خمسين عاماً على تأسيسها عام ١٩٩٨.

لم أفاجأ.. فقد كان الدكتور عبدالمنعم ضيفى على برنامج (الدفاتر القديمة) على قناة النيل الثقافية فى ربيع عام ١٩٩٩، ودافع عن مشاركته فيما قيل إنها احتفالات بذكرى تأسيس إسرائيل، موضحاً أنها كانت فى الواقع مؤتمرات علمية، وأن الصور التى التقطت له على منصتها أمام شعار وعلم الدولة، كانت فخاً دفعه إليه الإسرائيليون لإحراجه.. وقد روى لى محمد بسيونى سفير مصر السابق فى تل أبيب حكايات كثيرة تؤكد ذلك الأسلوب لدى الإسرائيليين، بعضها استهدفه شخصياً.

بعد أيام، وقبل انعقاد قمة كامب ديفيد بيوم واحد فقط، ساعدنى عزمى بشارة فى الدخول إلى الكنيست، ومقابلة إيهود باراك، رئيس الوزراء الإسرائيلى فى ذلك الوقت.. الذى استفزه سؤالى المباشر عن انتهاكات حكومته بحق الصحفيين الفلسطينيين فيما تروج إسرائيل للقمة ومشروع كلينتون للسلام.. فأشار إلى أفراد حراسته، ليطردونى من مبنى الكنيست، ويتم تسجيل ذلك بالكاميرا وإذاعته فى الحلقة.

أما فى ساحة الحرم الإبراهيمى بالخليل عصر أحد أيام السبت، فقد حاولت تغطية اشتباكات المستوطنين اليهود مع السكان الفلسطينيين، فأصبت فى رأسى، وحقق معى قائد الشرطة الإسرائيلية، وظهر ذلك أيضاً على شاشة التليفزيون.

توالت هذه المشاهد أمام عينى وأنا أتلقى من عضو مجلس نقابة الصحفيين نبأ عزمه إحالتى للتحقيق.. ولم أفلح فى إقناعه بأن ما كنت أفعله فى إسرائيل يفوق بتأثيره عشرات الخطب على المنابر حول القضية الفلسطينية.

بعد أيام دعانى إبراهيم سعدة لزيارته فى مكتبه، واقترح علىّ كتابة يومياتى فى الأراضى المحتلة، لنشرها فى كتاب يصدر عن أخبار اليوم بعنوان (مقص الرقيب).. لإبراء ذمتى أمام زملائى الصحفيين.

أذيعت الحلقة، وصدر الكتاب، وثارت ثائرة إسرائيل، فصدر عن وزارة الخارجية الإسرائيلية تعميم يقضى بحرمانى من دخول الأراضى المحتلة على الإطلاق مرة أخرى.

لكن عضو مجلس النقابة استبق ظهور الحقيقة، واتصل بى قبل صدور قرار التحقيق رسمياً، ليطلب منى متصنعاً الحياء، التدخل لدى مؤسسة الإمارات للإعلام- التى كنت أعمل بها حينذاك- لصرف مستحقاته عن بعض الخدمات التى قدمها لها من خلال وكالته الصحفية الخاصة، ووعدته بالمساعدة قدر ما أستطيع.. وفى نهاية الحديث الهاتفى سألته: ماذا عن التحقيق معى لزيارة إسرائيل؟ فأجاب بثقة: اعتبر الأمر كأن لم يكن...!!

الأحد، 20 سبتمبر 2009

في القطار...

ــ هو لا يكف عن التودد بالحديث..
- هي شاردة.. تعبث بأظافرها.. نادراً ما تجيب...
- هو يملأ المقعد بثقة..
- هي تنكمش، وتضم مقدمتي قدميها.. ترتدي الأسود بالكامل.. حتى شعرها ورموشها تصطبغ بالأسود..
.. سبقته عدما غادرا القطار..
... (لا ترغب في رفقته؟)...

الأحد، 13 سبتمبر 2009

"صديقي"!!

يعدني فينقض..
يراني في المحن.. فيتنصل...
يقتل بفضفضاتي فراغه..
يرد تضحياتي بإعراض..
وانفتاحي بتحفظ..
ووفائي بنكران..
أميزه فيهملني..
أغفر له فيتمادى..
أحتاج إليه فيراوغني..
ثم يناديني: صديقي!

رفاق.. بلا اختيار!

لا يختار المرء رفاقه في رحلة القطار.. يقطع تذكرته وهو يجهل هل من الأشرار سيصادف على متنه أم من الأخيار! يجلس بجوار شخص، وهو لا يعلم ماذا يخبئ في حقيبته من أسرار.. لا يدري أي وجهة يقصدها هؤلاء الرفاق.. من منهم مغادر، ومن منهم يعود.. إلى خير.. أم إلى شر وغدر وخيانة.. على المرء أن يقبل بمن يقابل على القطار.. فالرحلة مؤقتة، والوجهة هي الباقية..


إن القطار لا يستبقي شيئاً.. لا الركاب، ولا حقائبهم، ولا مشاعرهم.. هموم الرحلة مسؤولية الراكب.. شاقة كانت أم مسلية.. يطالبك القطار بأن تأخذها معك، أو أن تتخلص منها في سلة المهملات..


البعض يستطيع، والبعض الآخر يحتفظ بالذكريات، بل ويعيد تدويرها.. لا ينسى راكباً ابتسم له، أو آخر وخزه في كتفه.. إهانة الرحلة قد لا تنسى، وجرحها قد لا يطيب ولو بعد حين.. فالذكرى تتشبث بوجدان المرضى بالإنسانية.. مثلي.. أنا... العليل بالإحساس في حياة عامرة بالقلوب الميتة...


يا لها من رحلة، تلك التي أرغم نفسي على تحمل مشقاتها.. فقطاري حافل بالأشرار والحاقدين..

السبت، 12 سبتمبر 2009

نفق اللاعودة!


كلما مررت من النفق المؤدي للقطار في توتنهام هيل ـ حيث أسكن الآن ـ حلت في ذاكرتي أقسى مشاهد الفيلم الفرنسي Irreversible أو "غير قابل للعودة"، حيث وقعت الخطيئة الكبرى، التي غيرت حياة الأبطال جميعاً إلى الأبد..


أشعر وأنا أسير في النفق المقبض، أنني أرى مونيكا بيلوتشي في أبهى حلة، تسير في النفق غاضبة، ولكن برقة.. بعد أن غادرت الحفل بمفردها، تاركة حبيبها فينسيت كاسل مخموراً يهذي.. أشعر أن هذا هو منتصف الليل الحزين، وليس صباحي الجديد في توتنهام هيل، الذي صار عادياً من اليوم الأول..


أسمع طرقات الكعب العالي على الأرض الجافة، يرتطم صداها بوحشية في مربعات السيراميك الأبيض الرخيص، الذي يغلف النفق يميناً ويساراً..


تقع عيني على كاميرا المراقبة، لكني لا أراها.. ففى الفيلم غاب الجميع عن مونيكا، وتركوها فريسة للجنوح الأعمي.. همهمات أحد المارة تستدعي صوت البطل المجرم، البرت دوبونتل، وهو يجر أقدامه ويترنح، تقاومه فتاة ليل سمراء، سأعرف في فصل لاحق من الفيلم أنها رجل مثلي.. يلتفت ألبرت القذر إلى مونيكا الرقيقة، فتنزل نظرته على قلبي كالسهم.. ينقض عليها، فتتأخر خطواتي.. كأنني أعود إلى زمن الفيلم على هيئة شبح عاجز..


تقاوم ذاكرتي تفاصيل الاغتصاب، فيما تقاوم مونيكا أمامي، وتحت قدمي، مصيرها المشؤوم.. تختصر ذاكرتي المشهد إلى حده الأدني، فيبقى منه الأشد عنفاً ومرارة...


عندما أصل لنهاية النفق، أسأل نفسي: كيف تحول هذا المكان إلى غرفة تعذيب معزولة؟ صرخت مونيكا فلم يسمعها أحد.. بينها وبين الشارع الباريسي المتأنق لم تكن سوى درجات السلم وبقية من الممر.. لكن أحداً لم يلتفت.. لكن أحداً لم يسمع...


ماتت بطلتي منكفئة على صدرها.. وطئها الشرير في دبرها فانتحرت كرامتها.. وأفاق البطل المخمور فانتقم ببشاعة، واجهتُها هي الأخرى في ذهول وانقباض..


أصبح النفق بالنسبة لي رمزاً للا عودة، لكنه يعود إلى ذاكرتي في مكان سأرتاده كل صباح.. أما في المساء، فلن يحتاج خيالي للمحاكاة.. فالسر الكامن في الفيلم، سينفضح عندما أرى المشهد من جديد.. رأي العين!

الجمعة، 4 سبتمبر 2009

ضباب!

أيام عصيبة.. أكاد أفقد فيها شهيتي للبحث، الذي أفلتت مني خيوطه بعد التعديل الكبير الذي اقترحه المشرف.. بدا لي وكأن ما أنجزته منه كاللوحة التي انتهت، ولا يجوز إتلافها بمزيد من الإضافات..
لكنني مخطىء، كما ينبهني دائماً صديقي الدكتور حسين خلف.. فالبحث العلمي قائم على المراجعة، ويجب أن يلين الباحث مع متطلبات البحث، وصولاً لما يطمئن أنه الحقيقة.. وينصحني الدكتور حسين بأن أكون مستعداً للمزيد من التعديلات من قبل المشرف، بل وقد يصل الأمر إلى إلغاء عمل استغرق أسابيع أو شهوراً.. لكنني ـ وكما يقول لي صديقي الناقد أمير العمري ـ أحمل بداخلي سمات شخصية الفنان، الذي يتذوق عمله ويحبه، ولا يرغب في التفريط بسطر واحد مما كتب، أو لقطة واحدة مما صوّر أو أخرج.. لأنه يتربط بها ويتواصل معها وجدانياً...
المهم أنني أعيش هذا الصراع الآن.. أشعر بالتشتت.. فجأة تناثرت مراجعي، وتاهت أفكاري.. أتعثر في كل كلمة وسطر، وتتراقص حولي أشباح الفشل..
أتذكر صديقتي الدكتورة هيام عبد الحميد، عندما روت لي في الإمارات كيف كانت تبكي في بعض الأحيان خلال رحلتها للدكتوراه في بريطانيا.. كانت تشعر أنها عاجزة عن استكمال الطريق.. وهو ما نفس ما ذكرته لنا المدربة الحاصلة على الدكتوراه في أول برامج التدريب الأكاديمي بالجامعة.. يبدو أن ما أمر به الآن هو مخاض مكتوب على أمثالي.. لكن متي سأعبره إلى مرحلة اليقين والسلام النفسي؟! يبدو أنني لم أشعر من قبل بهذا اليقين، وأخشى ألا اشعر به أبداً..
عليّ أن أتغلب بسرعة على تلك الأفكار الضبابية.. الأيام والأسابيع، بل والشهور، تمضي، وسيفاجئني المشرف بطلب المقابلة، ومن بعدها تحديد موعد مناقشة الفصل الأول الذي سيؤهلني للترقي إلى العام الثاني من الدكتوراه.. لقد انحسر حجم الفصل الأول إلى النصف تقريباً بعد تعديلات جون.. ولم أزد عليه من وقتها سوى ألف كلمة فقط.. مطلوب أربعة آلاف كلمة أخرى ذات معنى.. وفق مقترحات جون التي اتفقنا عليها.. وأنا أنقل الآن إلى بيت جديد، وأقضي نصف وقتي في العمل...
رباه!