أيام عصيبة.. أكاد أفقد فيها شهيتي للبحث، الذي أفلتت مني خيوطه بعد التعديل الكبير الذي اقترحه المشرف.. بدا لي وكأن ما أنجزته منه كاللوحة التي انتهت، ولا يجوز إتلافها بمزيد من الإضافات..
لكنني مخطىء، كما ينبهني دائماً صديقي الدكتور حسين خلف.. فالبحث العلمي قائم على المراجعة، ويجب أن يلين الباحث مع متطلبات البحث، وصولاً لما يطمئن أنه الحقيقة.. وينصحني الدكتور حسين بأن أكون مستعداً للمزيد من التعديلات من قبل المشرف، بل وقد يصل الأمر إلى إلغاء عمل استغرق أسابيع أو شهوراً.. لكنني ـ وكما يقول لي صديقي الناقد أمير العمري ـ أحمل بداخلي سمات شخصية الفنان، الذي يتذوق عمله ويحبه، ولا يرغب في التفريط بسطر واحد مما كتب، أو لقطة واحدة مما صوّر أو أخرج.. لأنه يتربط بها ويتواصل معها وجدانياً...
المهم أنني أعيش هذا الصراع الآن.. أشعر بالتشتت.. فجأة تناثرت مراجعي، وتاهت أفكاري.. أتعثر في كل كلمة وسطر، وتتراقص حولي أشباح الفشل..
أتذكر صديقتي الدكتورة هيام عبد الحميد، عندما روت لي في الإمارات كيف كانت تبكي في بعض الأحيان خلال رحلتها للدكتوراه في بريطانيا.. كانت تشعر أنها عاجزة عن استكمال الطريق.. وهو ما نفس ما ذكرته لنا المدربة الحاصلة على الدكتوراه في أول برامج التدريب الأكاديمي بالجامعة.. يبدو أن ما أمر به الآن هو مخاض مكتوب على أمثالي.. لكن متي سأعبره إلى مرحلة اليقين والسلام النفسي؟! يبدو أنني لم أشعر من قبل بهذا اليقين، وأخشى ألا اشعر به أبداً..
عليّ أن أتغلب بسرعة على تلك الأفكار الضبابية.. الأيام والأسابيع، بل والشهور، تمضي، وسيفاجئني المشرف بطلب المقابلة، ومن بعدها تحديد موعد مناقشة الفصل الأول الذي سيؤهلني للترقي إلى العام الثاني من الدكتوراه.. لقد انحسر حجم الفصل الأول إلى النصف تقريباً بعد تعديلات جون.. ولم أزد عليه من وقتها سوى ألف كلمة فقط.. مطلوب أربعة آلاف كلمة أخرى ذات معنى.. وفق مقترحات جون التي اتفقنا عليها.. وأنا أنقل الآن إلى بيت جديد، وأقضي نصف وقتي في العمل...
رباه!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق