الثلاثاء، 26 أكتوبر 2010

يوم الاتنين


كان يوم اتنين..
وانا ماشي.. ومعايا اتنين..
والشارع ضلمة..
وأصحابي.. ماشيين ساكتين..

مرينا بجامع.. صلينا..
واتسلينا بسبحان الله..
ونسينا الدُنيا ومشاكلها..
واللي شاكِلها..
واللي خاصمها.. واللي شاكيلها
من خلق الله..

ورمينا همومها..
ومين يومها..
كان قلبه حزين؟

ده اللي بيتشعلق ف هدومها..
واللي بيتمنى الله يدومها..
واخداهم فين؟

وختمنا دعانا وتسابيحنا..
ورجِعنا الشارع من تاني..
واحد من دول قال للتاني:
صلينا أخيراً وارتحنا..
والراحة مهمة وبسطاني
مش برضه نرفّه عن روحنا..
زي ما روحنا ف ملكوت الله..

أنا عايز زفة محَوْطاني..
فيها أغاني..
والرقص اياه..

والفقر ف بيتنا التحتاني..
بشكل أناني..
عايز أنساه..

ياسلام على خاتم سِلِيماني..
كنز شِطاني..
للمال والجاه..

بصيت لصاحبنا الوَسطاني..
بيقول: ياني..
دي أكيد مأساة..

وورانا الخادم في الجامع..
شايف سامع..
والسبحة معاه..

وسمعتو بيدعي ويستغفر
لللي حيكفر..
ف طريق إبليس، رايح وياه....

وساعتها على الناصية لمحنا..
ف عز المِحنة..
سنيورة فستانها دبحنا..
شاوْرِتْ لواحد م الشلة.. والتاني بلاه..

صاحبنا قال استفتحنا..
حننسى جروحنا.. تْزيد تفاريحنا..
ما كفاية صلاة..

ملقيتش ع الجامع بواب..
يفتحلي الباب..
أو قلب خالي من العِلّة.. أهرب جواه..

وف لحظة كان صاحبي اتخدر..
بخته اتقدر..
قبل اما ينطق.. كان قرر..
يسرع ف خطاه..

لفت دراعها على وِسطه..
ماهي م اللي ع الضعفا بيسطوا..
وبيتبسطوا..
وأخينا اهو تاه..

وادّتني ف الآخر نظرة..
فيها النَّصرة..
وطريق ناوياه؟

صاحبي اللي كان ساكت بّلم..
خاف يتكلم..
مش باين انه بيتألم..
وعنيه شايفاه..

وفجأة قال الليل ضلم..
يللا نسلم..
أهو درس منه حيتعلّم..
مش موت وحياة..

لقيتني في الشارع محتار..
بين جنة ونار..
في لحظة الجد الواحد.. لازم يختار..
شيء راح يرضاه..

لا مشيت ورا اللي اختار يِقسى
قلبه ويعصى..
ولا سِبْتُه في ندالة وخسة..
ينسى ويرسى..
على شط هواه..

قعدت على باب الدكان..
مستني أدان..
يكتب لي مع صوته الرحمن..
ولصاحبي هداه..

الخميس، 21 أكتوبر 2010

إدارة "غبية" وفاشلة!


ينصر دينك يا أستاذ شبراوي! ماقلته في اجتماع لجنة الصناعة والطاقة في مجلس الشوري هذا الأسبوع صحيح مائة في المائة.. مصر بالفعل تحكمها إدارة غبية وفاشلة.. والدليل كما قلتَ أن دخلها القومي يعادل إنتاج شركة محمول لا أكثر!

أعجبني هذا التصريح لأنه يذكرنا بأننا لسنا في حاجة إلى زعماء سياسيين، بقدر ما نحتاج لرؤساء مجالس إدارات ومديرين.. البلد مشروع استثماري، والمواطن موظف في هذا المشروع، وزبون لديه في نفس الوقت.. وإدارتنا أخفقت في توفير بيئة إنتاج مثالية لموظفيها، كما أنها أنكرت حقوق الزبون، بل وتعدت عليها وعلى الزبون ذاته.. كيف يمكن أن يفرز ذلك مشروعاً ناجحاً؟ لذا فمن السهل على موظفي شركتنا الفاشلة أن يتخذوا قراراً بالهجرة إلى الشركات الأخرى، التي لا تغرق لأذنيها في الفساد، وتقدر موظفيها وزبائنها على السواء..

يقول قائل في ذم المرشحين المتوقعين للرئاسة إنهم يفتقرون للتاريخ السياسي والعسكري.. يزايد هذا القائل بانغماسه في الشارع المصري ووعيه بمشكلات البلد ومعاناة المواطن، والحقيقة أن حجته تلك إنما تعكس جهلاً واستخفافاً بواقع الحياة في مصر، وتاريخها عبر العقود الست الماضية.. فقد فشل الزعماء الحنجوريون والقادة العسكريون في الدفع بالبلاد خطوة للأمام، وتحقيق أدنى درجات النجاح والتميز.. لماذا لا نجرب نوعاً آخر من القادة؟ قادة لا يلبسون تاجاً وإنما يشمرون عن سواعدهم.. قادة يضعون الخطط وينفذونها، ولا يروجون فقط لبرامج انتخابية غير واقعية.. قادة يندمجون مع الشعب ولا يستأجرون الكومبارس لالتقاط الصور معهم في القري والحارات الشعبية..

المشروعات تفشل لعدة أسباب، يقول المنظرون إن أهمها: الضبابية في تحديد قيادة المشروع، والافتقار إلى الأهداف، وانعدام التواصل.. وهذه الأسباب تنطبق على حالتنا المستعصية بامتياز، فنحن لا نعرف من يقود مشروعنا المتعثر، أهي مؤسسة الرئاسة التي تمجد زعيماً روحياً غائباً؟ أم الحزب الوطني برغبته في الاستئثار بالسلطة والثروة والرأي العام؟ أم وزارة الداخلية بقبضتها الحديدية؟ أم رجال الأعمال الذي ينهبون بيد ويمولون السلطة باليد الأخرى؟ من يدير المشروع؟ ومن يوقع على قرارات البيع والشراء؟ ومن يتحمل مسئولية النجاح والفشل؟

كما أن شركتنا المفلسة تفتقر للأهداف الواضحة، فهي مرة تبحث عن الريادة في السوق، وتراهن على تاريخها في التحرر من الإدارات الأجنبية والعميلة، ومرة تنشغل بالتوسط بين أكثر الشركات تغولاً في المنطقة وأضعف الشركات وأشدها بؤساً وهواناً.. ومرة ثالثة تنهمك في الرد على "الدعايات المضادة"، فتنفق ملايين الجنيهات على تدشين وسائل إعلام صحفية وتليفزيونية، وإنشاء مناطق إعلامية "حرة"، ثم تقطع لسان مقدمي برامج، وتمنع بث قنوات تليفزيون، وتتورط في إقالة رئيس تحرير جريء، وتقيّد خدمة الرسائل الهاتفية الصحفية قبل الانتخابات.. وأخيراً تسخر برنامجها التليفزيوني الرئيسي للدعوة إلى إغلاق موقع الفيس بوك بحجة أنه نافذة للجاسوسية على مصر!! إلام تهدف هذه الإدارة؟ إلى الدفع بمشروعنا التعيس إلى الأمام؟ أم إلى جره عقوداً للوراء؟

أما عن انعدام التواصل، فحدث ولا حرج! فالقيادة "السياسية" لا تقرأ إلا عناوين الصفحة الأولى من الأهرام، بينما تروج إلى انقطاع منافسيها عن قضايا الشارع، ونقص خبرتهم في التعاطي معها.. السلطة تفوّض جنودها ومخبريها في الالتحام بالشعب، والمعارضة تفوض شباباً تحت العشرين في طرق الأبواب والتحدث إلى المارة والعابرين لأخذ توقيعهاتهم على بيانات التأييد والاستنكار.. من يسمتع إلينا إذن؟ من ينصت إلى مشاكلنا ويفكر معنا في الحلول؟ إن هذه الشركة تنقسم إلى طابقين، في العلوي تتربع الإدارة المنتفعة والفاشلة، وفي السفلي يقبع الموظفون والكادحون.. والسلالم خربة، والمصاعد معطلة.. والفراغ الشاسع بين الطابقين سيؤدي حتماً إلى انهيار أحدهما، ولكن على رأس الآخر...
_____________
* نشرت يصحيفة المصري اليوم يوم 21 أكتوبر 2010

الثلاثاء، 5 أكتوبر 2010

"نظرية" المؤامرة!


أعلن وأنا في كامل قواي العقلية، وبملء إرادتي، انسحابي التام والنهائي من معسكر المتنورين المتفتحين، ثاقبي الفكر ونافذي البصيرة، الذين أفنوا شبابهم وبحّوا أصواتهم، من أجل إقناع المتهورين والمندفعين والبسطاء، بألا ينساقوا وراء "نظرية المؤامرة" التي يروج لها المغرضون والمأجورون، الذين يفسرون كل مصيبة على أنها من تدبير قوى خفية، تحرّك الشخصيات، وتضع الخطط، وتشتري الذمم، وتنفذ السيناريوهات، لخدمة مصالح النظام، وأقطابه وحاشيته، وأسياده وأتباعه، ورجاله ونسائه، وعياله وورثته!

كنت ـ كأقراني في هذا المعسكر ـ أعتدل في جلستي، وأعقد حاجبيّ، وأرخي جفنيّ، وأشرع في إبداء وجهة نظري تجاه أي جريمة أو كارثة، بادئاً بالقول: (أنا لست من أتباع نظرية المؤامرة!)... باعتبار أن نظرية المؤامرة خديعة.. وباعتبارها وهم وكذب وتضليل.. وباعتبارها خيال وسراب وضحك على الذقون! أستنكف على القلة القليلة أن تتهم جهات معلومة وغير معلومة بأنها وراء الجريمة! إذ هل يمكن أن ينفق المسؤول من وقته الثمين ولو ساعة واحدة في التخطيط للإيقاع بخصومه؟ هل يصدق أحد أن مسؤولاً أد الدنيا يجمع حلفاءه ومساعديه ويطلب منهم الفتك بأحد معارضيه، وإخراج مسرحية محبوكة لإقصائه عن طريقه، أو ربما إخفائه تماماً من الوجود؟ لا يمكن! "شيء لا يُصّدِكْه عَكْل"!

لكن ها أنذا.. وبالفُم المليان، أقول أنني كنت بريئاً! بعد أن اكتشفت أن من ينبذ نظرية المؤامرة وينفّر الناس منها، هو ذاته يحيك مؤامرة لإعماء الأبصار والبصائر عن الحقيقة.. وأنه بهذه الدعوة للإعراض عن مروجي نظرية المؤامرة، إنما يشوش على الراغبين في الفهم، ويعطل سعيهم لقراءة الأمور بشكل واقعي، بعيداً عن العواطف والمزايدات.. وبعيداً عن التسطيح والمغالاة! ولأن شعبنا طيب، ويأمل فقط في تأمين وجبة العشاء، فإنه يجد راحة في الدعوة إلى رفض وإنكار نظرية المؤامرة، ويطرد من رأسه أصوات المشككين والحذرين، مستنكراً عليهم تنغيص عيشته بالكلام عن الفساد والمكائد والمؤامرات.. وينهي الجدل ناصحاً: دع الملك للمالك!

ما قول هؤلاء إذن في إقالة ابراهيم عيسى من رئاسة تحرير الدستور؟ بدأ الأمر بشراء الصحيفة، ثم وقف برنامج عيسى على قناة أون تي في، متزامناً مع وقف برنامج عمرو أديب على قناة أوربيت، ثم إقالة مؤسس الدستور من رئاسة تحريرها في منتصف الليل، وإهانة صحفييها قبيل الفجر، والاستيلاء على ماكيناتها مع طلوع الشمس... هكذا كانت طريقة الرأس المدبر في الاحتفال بذكرى الغارة الجوية السريعة والنافذة في حرب أكتوبر المجيدة..

وما قول المتنصلين من نظرية المؤامرة في توقيت الإقالة، قبل أسابيع من انتخابات مجلس الشعب، وقبل أشهر من الانتخابات الرئاسية؟ وما قولهم فيمن يدافع عن حقوق الشعب الدستورية على منبر حزبه، ثم ينتهك حقوق الصحفيين وأصحاب الرأي بماله وسلطانه؟ وكيف يفسرون سطوع نجم رجل الأعمال "المعارض" في سماء السياسة والإعلام خلال أشهر قليلة، لينجح بين عشية وضحاها، وبسرعة مثيرة للدهشة والاستغراب، في الإجهاز على أكثر الأقلام المعارضة إزعاجاً واستفزازاً للنظام.. وهو إنجاز عجزت عنه الأجهزة الإعلامية والأمنية والقضائية خلال أكثر من عشر سنوات...؟

وماذا سيكون قول أعداء نظرية المؤامرة إذا نال حزبه التاريخي حظاً وافراً في انتخابات مجلس الشعب المقبلة؟ هل سنبقى جالسين في استرخاء على مقاعد "المعتدلين"، مدّعين أننا مازلنا نرفض نظرية المؤامرة، ونتهم المروجين لها بالمغالاة والتطرف في تفسير الأمور؟
قد يختلف البعض أو يتفق مع ابراهيم عيسى، قد يدينه البعض بإثارة الزوابع، وقد يدين له البعض الآخر بإلقاء الأحجار في الماء الراكد.. لكن يتفق الجميع على صفتين أصيلتين في تكوينه: موهبته، وصلابته... يحسده المترددون على إقدامه، فهو يكتب قبل أن يفكر، ودون أن يجري عشرات العمليات الحسابية كما يفعل الكثيرون الآن، ولو فعل ابراهيم عيسى ذلك، لربما رجع عن كثير مما كتب، وهدد بسببه أمنه ورزقه وحياته بأسرها..

أتذكر الآن رجل الأعمال الذي قال لي في نهاية التسعينات مبشراً ونذيراً، إنه لا يقاضي الصحفي إذا هدد مصالحه، وإنما يشتري صحيفته بالكامل.. قالها ورئيس الدولة يصدق على تعيينه رئيساً للمستثمرين في أحد أكبر المدن العمرانية الجديدة، بديلاً لزميله رجل الأعمال الذي جرسته الصحافة وضاق به النظام.. الأول جار عليه الزمن، والثاني انتصر على الإعلام بالإعلام.. وورث القاعدة رجل أعمال ثالث.. لكن لا أعتقد أن ابراهيم عيسى سيعود هذه المرة، ليلعب الطاولة على قهوة فيينا..
_____________
* نشرت بموقع الدستور الإلكتروني يوم 11 أكتوبر 2010

الاثنين، 4 أكتوبر 2010

دانيال باكون

بينما أكتب لك هذه الكلمات من لندن، وتقرؤها أنت فى مصر.. ثمة شاب إنجليزى ترك بيته الريفى فى إحدى بلدات مقاطعة إسِكس البريطانية، يخطو الآن فى شوارع مدينة الإسكندرية خطواته الأولى، حاملاً معه حقيبة سفر فيها كل ما وقعت عليه يداه من كتب لتعليم اللغة العربية والتاريخ العربى والفرعونى وخرائط المواقع الأثرية فى مصر.. فبالأمس فقط شدّ هذا الشاب رحاله إلى بلادنا، عازماً على قضاء عشرة أشهر فى قلب ثقافة، حار كثيراً بين تاريخها المدوَّن باعتزاز وفخر فى مراجعه الجامعية، وصيتها الذائع فى الإعلام الغربى كثقافة ظلامية تدعو إلى الإرهاب وتحض على الكراهية.

"دانيال باكون" شاب فى العشرين، تعلم اللغة اللاتينية وأدب العصور الوسطى فى جامعة رويال هولواى.. لا يوجد فيه ما يميزه عن أى شاب مصرى سعى من القرية إلى المدينة طلباً للعلم.. منذ عرفته عام 2007 وهو يسألنى عن كل شىء إلا بلادى.. كتب فى مجلة الجامعة عن كل شىء إلا السياسة.. كان يقرأ قليلاً من الصحف، وكثيراً من الأدب، وكل همه أن يتقرب من إحدى زميلاته.. إنه شاب عادى لم ينخرط فى حزب ولم تجنده الكنيسة.. لكنه قطعاً كان يلاحظ الصراع الفكرى بين زملائه المسلمين وغير المسلمين، ويضعه فى سياق الاحتقان الثقافى السائد فى العالم.. لم يطلب منى إجابة أو تبريراً، ظل يراقب الوضع ببراءة تخفى حكمة وصبراً..

أنهى دانيال دراسته التى أحبها، وبدلاً من اصطحابى فى رحلة بإحدى الغابات كما كان يعدنى، قرر القيام بمغامرة أخرى فى العالم العربى، يبحث فيها عن حقيقة الإرهاب فى ثقافة هذه الأمة، واختار مصر التى يعلم أنها أم الدنيا.. لم يكترث بتحذيرات أقرانه المطلعين على الموقف السياسى المتوتر فى مصر، وأخبار المظاهرات التى تتوج بها وسائل الإعلام الغربى نشراتها وصحفها كل صباح.. لم يستأذن جهة رسمية ولم يلتمس من أحد المشورة.. سألنى فقط عن غرفة ليقيم فيها، ومعهد ليتعلم فيه اللغة العربية..

وعندما استقر وجدان دانيال على خوض هذه المغامرة دشن مدونة على الإنترنت بعنوان (المغامر المصرى)، ليشرع فى سرد ذكرياته عن هذه الرحلة حتى قبل أن تبدأ.. وفيها يقول: "إنها رحلة سوف تأخذنى إلى واحدة من أقدم بلدان العالم وأكثرها إثارة، أرض أسوان والأقصر وتوت عنخ آمون... إننى أتطلع لفهم مصر على حقيقتها.. هذا هو السبب الحقيقى لقيامى بتلك الرحلة"..

أتأمل هذا الفتى الإنجليزى المقدام.. أعرف أنه ادخر من مصروفه واقترض من والديه كى يموّل رحلته.. أمه كانت تصنع كوفيات من الصوف، ليبيعها لزملائه وينفق على نفسه، وكنت أول زبائنه وهكذا تعرفت عليه.. ليس ثرياً ولا من أسرة موسرة، وإنما على باب الله مثلى ومثلك.. أراد أن يصل إلى الحقيقة دون وسيط، مهما كان الثمن..

ساعدتُ دانيال باكون قدر ما أستطيع.. ولكن يا ترى كم من دانيال باكون فى الغرب يأمل فى أن يعرفنا عن قرب ولا يجد من يساعده؟ كم من أبناء الثقافات (الأخرى) ينظرون بعين الشك لادعاءات الإعلام الأمريكى والصهيونى؟ وكم منهم آمن بها لأنه لم يجد ما يخالفها؟

يأتى دانيال إلى مصر سعيداً، فكيف سيعود؟ كيف سيستقبله المصريون، وماذا سيتركون فى ذاكرته عن بلادهم؟ هل سيسيل لعاب سائقى التاكسيات عندما يشتمون منه رائحة العملة الصعبة؟ هل سيستغل الباعة جهله ويبتزونه؟ هل سيتذكر كل منا أن دانيال وأمثاله يأتون إلى مصر لأنهم يحبونها، فلا ينبغى أن يغادروها وهم يسبونها؟

دانيال سيشهد أهم عشرة أشهر فى تاريخ مصر الحديث، حيث التغيير هو مطلب الجميع.. فلعلنا نتغير أمام ضيفنا إلى الأفضل..
____________
* نشر بموقع اليوم السابع يوم 4 أكتوبر 2010
http://youm7.com/News.asp?NewsID=286539

الجمعة، 1 أكتوبر 2010

تصوير الأنبياء


لأنني في مجتمع يخدم كل أفراده بإخلاص في شرطة العقل والفكر، ترددت لحظات قبل أن أقرر التعليق على رفض مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر تصوير الأنبياء والصحابة في أعمال فنية.. إذا أثنيت على الرفض سيقاطعني أصدقائي "المتنورين"، وإذا أدنته فقد يتهمني أصدقائي "المتأسلمين" بالكفر.. سأعمل بنصيحة طازجة أسداها لي بلال فضل: سِد أذنيك واكتب ما تشاء!

بصراحة وخزتني الفتوى.. كنت قد ناقشت فيها رجال دين وفن في أحد برامجي قبل عشر سنوات، وطمأنني على أبو شادي رئيس الرقابة وقتها بأن دوام الحال من المحال! وكاد المخرج الراحل مصطفى العقاد أن يبكي وهو يقول لي بحسرة: فيلم واحد بعشرات الخطب على المنابر! واستمعت لرأي متشدد من شيخ هَرِم، فقلت: لن يُخَلَد! وانتهى البرنامج، وقدمت من بعده برنامجين أو ثلاثة، وسافرت، وعدت، ثم سافرت، وعدت.. ثم سافرت... وقبل أن أعود، ها أنذا أسمع نفس الفتوى من نفس البشر في ذات السياق.. ألا يتغير شيء في هذا البلد؟ زميلي المسيحي المهاجر يبشر بدينه عن طريق فيلم "آلام المسيح"، الذي جسد فيه الممثل الأمريكي جيمس كافيزل شخصية السيد المسيح عليه السلام، وشابان أحدهما إيطالي والآخر أمريكي سعيا لتبشيري بدين يسمى المورمونية، فقدما لي فيلماً مذهلاً مترجماً إلى 22 لغة، بعنوان "البعث" يجسد شخصية نبي المورمونية جوزيف سميث.. وطالب نيجيري انضم حديثاً لإحدى الكنائس البريطانية يباهي بترجمة إنجيله إلى كل لغات العالم، ويسألني: هل ترجم القرآن إلى اللغة الكيسكانية؟

العالم يتفنن في ابتكار طرق جديدة لتقديم وشرح المعلومة، الإنترنت والموبايل والأقمار الصناعية وتقنيات صناعة الأفلام ثلاثية ورباعية الأبعاد.. كل هذه الطفرات شيدت جسوراً لا نهائية للمعرفة.. لن يستطيع أن يصدها مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر، أو أن يضع أمامها المتاريس ونقاط التفتيش.. سنرى الأنبياء والصحابة في أفلام ومسلسلات، سنمل من كثرة الأعمال التي تجسد الصحابة، وسنشيد ببعضها وننتقد البعض الآخر.. وستدخل هذه الأعمال بيوتنا شئنا أم أبينا.. ولن يجد مجمع البحوث سوى الصمت والحيرة والاستسلام أمام هذه الموجة الكاسحة.. طوفان لا يمكن لعاقل أن يقطع عليه الطريق..

إذا كنا مؤمنين بحق، فأين الكياسة؟ سيرة الأنبياء في الكتب.. وأمثال عباس محمود العقاد وسعيد حوى وصفي الرحمن المباركفوري، جعلونا ـ بتمكنهم اللغوي وإبداعهم الأدبي ـ نرسم للأنبياء الكرام وصحابتهم صوراً نبيلة، ونسمع لهم أصواتاً في قلوبنا.. إن الإيمان يُطعِم الخيال واليقين معاً.. وبشرى الحديث القدسي بأن في الجنة (ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر) هي دعوة للتخيل والتخمين.. تفتح الباب أمام آفاق لا يتسع لها النص، ولا يحرمنا متعتها وفائدتها المولى سبحانه وتعالى..

أنا لا أفتي.. حاش لله! أنا فقط أفكر في بلدي التي تكبلها الرهبة من مواجهة الحقيقة.. وأفكر في ربع الشعب المصري الذي لا يعرف كيف يكتب اسمه، فكيف بقراءة القرآن والإنجيل.. وأفكر في قافلة العلم والمعرفة التي انطلقت وتركتنا في قلب الصحراء.. وأفكر في الملايين الذين سيزداد إيمانهم والملايين الذين سيعرفون الله عز وجل بمشاهدة الأنبياء وصحابتهم على الشاشة.. هل يعتقد شيوخنا أن هؤلاء يكفيهم خطيب يتعثر في قراءة القرآن، أو ينصب الفاعل ويجر المفعول؟ هل يرضيهم المتحولون عن الإسلام في بريطانيا وأمريكا وحتى في باكستان؟ وإذا كان ضعف الإيمان في قلب الأمة ضرراً، ألا يصبح تجسيد الأنبياء والصحابة أخف وأهون؟
----------------------
* نشر في زاوية 7 أيام بصحيفة المصري اليوم يوم 14 أكتوبر 2010