الجمعة، 1 أكتوبر 2010

تصوير الأنبياء


لأنني في مجتمع يخدم كل أفراده بإخلاص في شرطة العقل والفكر، ترددت لحظات قبل أن أقرر التعليق على رفض مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر تصوير الأنبياء والصحابة في أعمال فنية.. إذا أثنيت على الرفض سيقاطعني أصدقائي "المتنورين"، وإذا أدنته فقد يتهمني أصدقائي "المتأسلمين" بالكفر.. سأعمل بنصيحة طازجة أسداها لي بلال فضل: سِد أذنيك واكتب ما تشاء!

بصراحة وخزتني الفتوى.. كنت قد ناقشت فيها رجال دين وفن في أحد برامجي قبل عشر سنوات، وطمأنني على أبو شادي رئيس الرقابة وقتها بأن دوام الحال من المحال! وكاد المخرج الراحل مصطفى العقاد أن يبكي وهو يقول لي بحسرة: فيلم واحد بعشرات الخطب على المنابر! واستمعت لرأي متشدد من شيخ هَرِم، فقلت: لن يُخَلَد! وانتهى البرنامج، وقدمت من بعده برنامجين أو ثلاثة، وسافرت، وعدت، ثم سافرت، وعدت.. ثم سافرت... وقبل أن أعود، ها أنذا أسمع نفس الفتوى من نفس البشر في ذات السياق.. ألا يتغير شيء في هذا البلد؟ زميلي المسيحي المهاجر يبشر بدينه عن طريق فيلم "آلام المسيح"، الذي جسد فيه الممثل الأمريكي جيمس كافيزل شخصية السيد المسيح عليه السلام، وشابان أحدهما إيطالي والآخر أمريكي سعيا لتبشيري بدين يسمى المورمونية، فقدما لي فيلماً مذهلاً مترجماً إلى 22 لغة، بعنوان "البعث" يجسد شخصية نبي المورمونية جوزيف سميث.. وطالب نيجيري انضم حديثاً لإحدى الكنائس البريطانية يباهي بترجمة إنجيله إلى كل لغات العالم، ويسألني: هل ترجم القرآن إلى اللغة الكيسكانية؟

العالم يتفنن في ابتكار طرق جديدة لتقديم وشرح المعلومة، الإنترنت والموبايل والأقمار الصناعية وتقنيات صناعة الأفلام ثلاثية ورباعية الأبعاد.. كل هذه الطفرات شيدت جسوراً لا نهائية للمعرفة.. لن يستطيع أن يصدها مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر، أو أن يضع أمامها المتاريس ونقاط التفتيش.. سنرى الأنبياء والصحابة في أفلام ومسلسلات، سنمل من كثرة الأعمال التي تجسد الصحابة، وسنشيد ببعضها وننتقد البعض الآخر.. وستدخل هذه الأعمال بيوتنا شئنا أم أبينا.. ولن يجد مجمع البحوث سوى الصمت والحيرة والاستسلام أمام هذه الموجة الكاسحة.. طوفان لا يمكن لعاقل أن يقطع عليه الطريق..

إذا كنا مؤمنين بحق، فأين الكياسة؟ سيرة الأنبياء في الكتب.. وأمثال عباس محمود العقاد وسعيد حوى وصفي الرحمن المباركفوري، جعلونا ـ بتمكنهم اللغوي وإبداعهم الأدبي ـ نرسم للأنبياء الكرام وصحابتهم صوراً نبيلة، ونسمع لهم أصواتاً في قلوبنا.. إن الإيمان يُطعِم الخيال واليقين معاً.. وبشرى الحديث القدسي بأن في الجنة (ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر) هي دعوة للتخيل والتخمين.. تفتح الباب أمام آفاق لا يتسع لها النص، ولا يحرمنا متعتها وفائدتها المولى سبحانه وتعالى..

أنا لا أفتي.. حاش لله! أنا فقط أفكر في بلدي التي تكبلها الرهبة من مواجهة الحقيقة.. وأفكر في ربع الشعب المصري الذي لا يعرف كيف يكتب اسمه، فكيف بقراءة القرآن والإنجيل.. وأفكر في قافلة العلم والمعرفة التي انطلقت وتركتنا في قلب الصحراء.. وأفكر في الملايين الذين سيزداد إيمانهم والملايين الذين سيعرفون الله عز وجل بمشاهدة الأنبياء وصحابتهم على الشاشة.. هل يعتقد شيوخنا أن هؤلاء يكفيهم خطيب يتعثر في قراءة القرآن، أو ينصب الفاعل ويجر المفعول؟ هل يرضيهم المتحولون عن الإسلام في بريطانيا وأمريكا وحتى في باكستان؟ وإذا كان ضعف الإيمان في قلب الأمة ضرراً، ألا يصبح تجسيد الأنبياء والصحابة أخف وأهون؟
----------------------
* نشر في زاوية 7 أيام بصحيفة المصري اليوم يوم 14 أكتوبر 2010

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق